المادة    
ذكر السالوس في كتابه الآيات التي يستدلون بها على الإمامة، وهذه الآيات هي:
أولاً: آية الولاية: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ))[المائدة:55].
ثانياً: آية المباهلة التي يستدلون بها، وهي التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في شأن أهل الكتاب فقال: ((فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ))[آل عمران:61].
ثالثاً: آية التطهير: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))[الأحزاب:33].
رابعاً: قوله تعالى: ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا))[البقرة:124] وهي أقوى ما استدلوا به، وقد تحدثنا عنها سابقاً.
ثم بعد ذلك انتقل إلى عصمة الأئمة، وهي تتعلق بما سبق من الآيات في الإمامة، يقول: "ذكرت من قبل ما ذهب إليه الشيعة من القول بعصمة الأئمة، فلا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طول حياتهم" وهذا خارجٌ عن طوق البشر "لا فرق في ذلك بين سن الطفولة وسن النضج العقلي، ولا يختص هذا بمرحلة الإمامة" فالإمام معصوم منذ أن يولد.
والعجب -كما قلنا في رد هذا الكلام- أن المعصوم الذي لا يخطئ، كان من الطبيعي أن يحقق ما يهدف إليه وأن يصل إلى مراده.
ألا ترون أن أصحاب الآراء الصائبة -من غير المعصومين- يصلون إلى ما يريدون بالرأي الصائب والعقل والحكمة؟ فلماذا المعصوم منذ ولادته عن الخطأ لا يصل إلى شيء؟! فما رأينا أحداً من الأئمة تولى الإمامة، ولا بويع بالخلافة، وإنما هم بين قتيل وسجين وطريد، كما أنهم اختلفوا فيما بينهم في الأقوال والأفعال، ولو كانوا معصومين لما اختلفوا، وهذا دليل على أنه لا يمكن أن يكونوا معصومين.
يقول: "ومما استدلوا به قوله تعالى: ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))[البقرة:124] قالوا: تدل هذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً عن القبائح؛ لأن الله سبحانه نفى أن ينال عهده -الذي هو الإمامة- ظالم، ومن ليس بمعصوم قد يكون ظالماً: إما لنفسه، وإما لغيره" لأنه لابد أن يذنب، قال: "فإن قيل: إنما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمى ظالماً، فيصح أن يناله. فالجواب: أن الظالم وإن تاب، فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالماً، فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها، والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت، فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها، فلا ينالها الظالم وإن تاب فيما بعد.
ثم قالوا: إن الله سبحانه وتعالى عصم اثنين فلم يسجدا لصنم قط، وهما: محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- وعلي بن أبي طالب، فلأحدهما كانت الرسالة، وللآخر كانت الإمامة. أما الخلفاء الثلاثة فلم يعصموا، وهم ظالمون ليسوا أهلاً للإمامة".
ومعنى كلامهم: أنه ما دام أن الظالم هو من وقع منه الظلم وإن تاب، فإذاً أبو بكر وعمر وعثمان -على كلامهم- قد عبدوا الأصنام، فمهما تابوا ومهما استقاموا ومهما آمنوا، فهم غير معصومين؛ لأنهم قد أشركوا قبل الإسلام، فلا تصح ولا تحق لهم الإمامة، أما علي رضي الله عنه فيقولون: إنه كان مثل النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسجد لصنم قط، لا لأنه كان صغيراً، ولا لأنه تربى في كنف النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل لأنه معصوم عندهم، فلهذا هو الذي يستحق أن يكون إماماً.
وقد رد عليهم السالوس في ذلك بردود، ومن أهمها قوله: "العصمة من الخطأ كبيره وصغيره، عمداً وسهواً ونسياناً، من المولد إلى الممات، أمر يتنافى مع الطبيعة البشرية، فلا يقبله العقل إلا بدليل قطعي من النقل، وهذه الآية الكريمة لا تثبته للأئمة عموماً فضلاً عن أئمة الجعفرية على وجه الخصوص، على أن دلالة القرآن الكريم تتنافى مع مثل هذه العصمة، حتى بالنسبة لخير البشر جميعاً، الذين اصطفاهم الله تعالى للنبوة والرسالة".
فيكفينا في الرد عليهم أن نعلم أن عصمة الإمام عن الخطأ والسهو والنسيان أمر خارج عن طبيعة البشر، وحال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يثبت ذلك، فنحن نعلم من صريح القرآن أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقعوا في أخطاء، ولنأخذ على ذلك مثلاً لأول الأنبياء وأول البشر: آدم عليه السلام، قال تعالى: ((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى))[طه:121-122] فهو عصى وغوى حين أكل من الشجرة وقد نهاه الله، فالبرغم من عصمته إلا أنه وقع في المنهي عنه، لكن الله اجتباه وهداه وتاب عليه بعد الوقوع في الخطأ.
وأول الرسل نوح عليه السلام، أخطأ لما دعا الله فقال: ((رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ))[هود:45]، فجعل ابنه من أهله، لأن الله وعده بنجاة أهله، فقال له: ((إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ))[هود:46]، فكيف تسألني أن أنجيه وهو ليس بمؤمن؟! ولهذا استغفر نوح ربه من ذلك.
وإبراهيم عليه السلام وقع منه شيء من ذلك -أو قريب منه- في الكذبات الثلاث كما هو معلوم.
وموسى عليه السلام وقع في أشياء كثيرة منها: قوله تعالى: ((فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ))[القصص:15] ثم بعد ذلك ((وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ))[الأعراف:150] وهي التي قال عنها ربنا تبارك وتعالى: ((وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ))[الأعراف:145]، وهذه الألواح من كلام الله ووحيه أوحاه إليه، وكتبه له بيده عز وجل وهي التوراة، ومع ذلك ألقاها لما غضب لله، لكن هل ينبغي لك إذا غضبت لله أن تخطئ في التصرف في شيء آخر من حق الله تعالى؟! لا، بل تحرص أن تكون متوازناً، لكن موسى -عليه السلام قال لأخيه هارون: كيف يعبدون العجل وقد تركتك وأوكلتك بهم يا هارون، وذهبت إلى لقاء ربي لأتلقى الوحي؟! فألقى الألواح غضباً لله، وأخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه، وبالغ في عتاب هارون عليهما السلام، وهو لا ذنب له في ذلك.
وهكذا يونس عليه السلام ذهب مغاضباً وأبق إلى الفلك المشحون.
والرسول صلى الله عليه وسلم -وهو أفضل الرسل وخاتمهم، ولو كان أحد معصوماً من الخطأ والسهو والنسيان لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم- ألم يرسل سبعين من القراء ليدعوا إلى الله في القبائل؟ فماذا حدث لهم؟ قتلوا جميعاً، فإذاً: تصرفاته ليست معصومة، ولو كان معصوماً ما وقع منه مثل هذا، وإنما هو بشر يجتهد، فقد يصيب وقد يخطئ، ولله في ذلك الحكمة البالغة، كما أن له حِكمة في صوابه، وأولئك الصحابة نالوا الشهادة واتخذهم الله شهداء، وكانوا سبباً في حماس المؤمنين الآخرين للانتقام من أهل الشرك، وغير ذلك من الحِكَم والمصالح.
وهناك أحداث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه لم يكن معصوماً عن السهو والخطأ والنسيان مطلقاً، فكيف يكون ذلك في أحد من الخلق من بعده صلى الله عليه وسلم؟! وإنما عصمه ربه سبحانه وتعالى في الأمر الذي نجزم ونقطع بعصمته فيه، وهو فيما يتعلق بالبلاغ، فإنه لا يبلغ عن الله عز وجل إلا الحق، فلا يخطئ فيه ولا ينسى شيئاً منه، إلا أن يريد الله عز وجل أن ينسيه أو ينسخ ما قد أنزله عليه، أما غير ذلك فيجوز أن يقع منه الخطأ، مثل الحديث المشهور الصحيح: وذلك لما مر بالصحابة وهم يؤبرون -أي: يلقحون النخل-فقال: {أظنكم لو تركتموه لأطلع، فلما تركوه شيص، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا رسول من عند الله، وما أبلغتكم عن الله فخذوه، وأنتم أعلم بأمور دنياكم}، فأمور الدنيا ليس النبي صلى الله عليه وسلم معصوماً من الخطأ فيها.